بعد أن خضنا رحلة بين السبع المثاني العظام وتعرفنا على أعظم الأدعية 《اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ》 دعونا نحني ظهورنا ورؤوسنا تذللا وتعظيما للرب العظيم ثم نسجد سجدة المحب لحبيبه ونتعرف على الأدعيه وألاذكار التي ننوع ونجمل ركوعنا وسجودنا بها
عليك أن تعرف يا عزيزي أنك منذ أن كبرت تكبيرة الركوع وبدأت تنحني بظهرك فأنت بذلك تكسر الأنفة والعزة .فأنت ذلك تعلن: يا رب أنت الأعلى وأنا عبدك الذليل . انت بذلك يا عزيزي ترفع راية الخضوع والاعتراف أنك عاجز أمام قدرته ، تحرر روحك من الكبر الذي أكسبتك إياه ملذات الدنيا ، الركوع يربي أنفسنا ويكسر هذا الكبرياء الكاذب، يربي فينا روح الانقياد لله لا للهوى ولا للبشر ، يجعلنا نحس بنعمة الهداية وأننا نركع لمن يستحق الركوع وحده، نعم يا عزيزي فهو ليس مجرد إنحناء بالجسد فقط بل هو انكسار بالقلب المتكبر بمتاع الدنيا الفاني ، هناك رجل أتى للنبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على ألا يخر إلا قائما أي ينتقل من القيام إلى السجود مباشرة دون الركوع لأن الركوع عند العرب في كسر للعزة والأنفه فيلزمك أن تضع في قلبك وجميع جوارحك أنك في إنحناء تذلل للخالق الجبار رب العالمين ، للرحمن، لمالك يوم الدين فتكون في قمة التذلل له ، يا رب انا العبد الذليل وانت الكبير المتعال، يا رب أنا لست شيئا بجانب عظمتك وجبروتك.
- عن عبدالله بن عباس كَشَفَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ السِّتَارَةَ والنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أبِي بَكْرٍ، فَقالَ: أيُّها النَّاسُ، إنَّه لَمْ يَبْقَ مِن مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا المُسْلِمُ، أوْ تُرَى له، ألَا وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا، فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ. قالَ أبو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن سُلَيْمَانَ.
[صحيح مسلم ]
فكيف نعظم ربنا في الركوع إذا؟ لنبدأ بالذكر المعتاد وهو سبحان ربي العظيم حين تقولها وانت مستشعر معناها يكون القلب من ينطقها ، يا رب كفاني فخرا أنك ربي وانني لك عبد فليس هناك أفضل من أن أكون عبد لك سبحانك تنزهت وتقدست عن كل عيب ونقص ، فتمحو بتصاغرك وتضائلك كل تعظيم لنفسك وتثبت مكانه تعظيما لربك، فخذ وقتك في قولها ثلاثا تذوق كل كلمة فيها فالكريم من يصبر في طاعة الرحمن . ثم إن من ادعية الركوع أيضا 《سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم أغفر لي 》
حديث عن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: مَا صَلَّى رسولُ اللَّه ﷺ صلاةً بعْد أَنْ نزَلَت علَيْهِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] إلاَّ يقول فِيهَا: سُبْحانك ربَّنَا وبِحمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي متفقٌ عَلَيهِ.
- عن عائشة أم المؤمنين أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ كانَ يقولُ: في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلَائِكَةِ والرُّوحِ.
[صحيح مسلم]
عن علي بن أبي طالب أن رسول الله ﷺ قال : 《......وإذَا رَكَعَ قالَ: اللَّهُمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي وَعَصَبِي.》
[صحيح مسلم]
وغيرها من الأدعية يا حبيب ولكني جمعت لك ما هو صحيح منها فعش وتعايش بقلبك وجوارحك معها ولا تتعجل في ركوعك فقد كان ركوع النبي ﷺ مناسبا لقيامه في التطويل والتخفيف، اتعجب حقا عندما أرى الناس يطيلون قيامهم ويخطفون بقية صلاتهم ولو رأوا ما في الركوع والسجود من قرب لله لتحسروا على ما فاتهم من هذه اللذة.
نأتي للحظة التعظيم عندما تقول سمع الله لمن حمده ،نعم الله يسمع حمدك وشكرك وثنائك عليه ،ورفعت ظهرك بعد أن حنيته لله فقمت واقفا لا بجسدك فقط بل بروح أُشربت حمدا ورضا فتقول سمع الله لمن حمده كأنك تسمع صوتا من السماء : قد سمعتك يا عبدي فأكمل صلاتك بنور اليقين ،فتشعر بأن الله استجابك وأنك الآن في حضرته واقف بعد الخضوع معتز بعد تذلل.
فأتعجب حقا عندما أسمع كل هذا الكلام على حلاوة القيام من الركوع وأرى أنه أكثر ركن يسرقه الناس سرقا ، خذ وقتك يا عزيزي في الحمد استشعر كلمات الحمد وتذوقها فالله يسمع حمدك فلا تضيع هذه الفرصة الثمينة ، وإن من أذكار الإعتدال من الركوع ما في الأحاديث الآتية:
عن رفاعة بن رافع : كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، قالَ رَجُلٌ ورَاءَهُ: رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قالَ: مَنِ المُتَكَلِّمُ قالَ: أنَا، قالَ: رَأَيْتُ بضْعَةً وثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أوَّلُ.
[صحيح البخاري]
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إذا قالَ الإمامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لكَ الحَمْدُ؛ فإنَّه مَن وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ.
[صحيح البخاري]
عن أبي هريرة كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يقولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ثُمَّ يقولُ: وهو قَائِمٌ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ....》
[صحيح مسلم]
عن أبو سعيد الخدري كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قالَ: رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ مِلْءُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ومِلْءُ ما شِئْتَ مِن شيءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ والْمَجْدِ، أحَقُّ ما قالَ العَبْدُ، وكُلُّنَا لكَ عَبْدٌ: اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ.
[صحيح مسلم]
فنوع بينهم يا صديقي حتى لا تألف وتمعن في معانيهم ومن المأكد بإذن الله انك لن تمر على الرفع من الركوع كما في السابق.
وها قد وصلنا للجزء الذي انتظر كتابته منذ أن بدأت السلسة، السجود يا عزيزي! نعم السجود الذي لطالما كان موطن إجابة الدعاء وإذابة الآلام وشحنك بالآمال وغسل القلوب السجود الذي لطالما كان موطن القلوب الضائعة، السجود الذي تعود به أنفسنا إلى الفطرة السليمة التي لوثتها ملذات الحياة، فما إن يلامس جبينك الأرض حتى تشعر بأن قلبك يحلّق فتكون في سكون عجيب جميل كأن الأرض فتحت لك ذراعيها واحتضنت كل أوجاعك فتهمس بصوت ذل وانكسار سبحان ربي الأعلى وكأن كل ذرة في كيانك تردد بها يا رب أنت الأعلى وأنا العبد الذليل الحقير لا حول لي ولا قوة إلا بك يا رب إن ذنوبي قد طغت على قلبي ففقدت لذة الوقوف ببن يديك فيا رب اشرح لي صدري ، لحظة السجود يا عزيزي هي لحظة سكينة نسكب في دموعنا التي أخفيناها طوال يومنا، السجود هو المكان الذي نفرغ فيه همومنا وأثقال قلوبنا، فأنت تسجد فتشعر أن الله أقرب إليك من كل من حولك هو الوحيد القادر على إزالة همك وحزنك دون حتى الحاجة لأن تروي الحكايات والقصص فقط خضوع قلبك له يكفي ،نعم أنت في أدنى موضع جسديا لكن في أعلى مقام روحانيا . ولا عجب في أن تذوق اللذة والحلاوة في السجود عن غيره فأنت في السجود تكون أكثر قربا إلى الله ،يقول النبيﷺ 《أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد》أنت تنكسر لله فتكون في عينه أعز الخلق وأقربهم ، فلم تبحث عن شخص تروي وتقص له أحزانك وأنت لديك رب رحيم بالعالمين رحيم بك، فقط تقرب إليه يقول الله تعالى في سورة غافر《وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 》فأقبل عليه يا حبيب وأترك ملذات الدنيا التي أظلمت صدرك فهو الرب الرحيم العالم بعباده .
وأما في أذكار السجود فلم أرد أن أطيل عليكم سأضيفها مع جلسة بين السجدتين أو اكتبها لكم في منشور مستقل بإذن الله.
جزاكم الله خيرا أعاننا الله وإياكم
بارك الله فيك
من ما بدأت هاذي السلسلة و انا متحمسه لأقرأ ما تكتبه.
اندمج و اتأثر بكل كلمة و دليل و اتقرب من ربي اكثر و اكثر.
شكرا لك